حدثناكم في مقال سابق عن قوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) (الأنعام/59)، واليوم نعيش مع قوله تعالى: (وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام/59).
قال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله: (وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ) من حبوب الثمار والزروع وحبوب البذور التي يبذرها الخلق وبذور النوابت البرية التي ينشأ منها أصناف النبات (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ) هذا عموم بعد خصوص (إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) وهو اللوح المحفوظ قد حواها واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور يبهر عقول العقلاء ويذهل أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته في أوصافه كلها، وأن الخلق من أولهم إلى آخرهم لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك فتبارك الرب العظيم الواسع العليم الحميد المجيد الشهيد المحيط وجل من إله لا يحصي أحدا ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده، فهذه الآية دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء وكتابه المحيط بجميع الحوادث.(انتهى).
وقال الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله في التفسير المنير: ويعلم ما تسقط من حبة في ظلمات الأرض سواء بفعل الإنسان كالزراع أو الحيوان كالنمل أو بغير فعل الإنسان كالساقط من النبات في شقوق الأرض، ويعم ما تسقط من الثمار، رطبا ويابسا، حيا وميتا وهكذا علم كل الكائنات مكنون ثابت في كتاب واضح لا يمحى هو اللوح المحفوظ الذي سجل فيه كل شيء، وسجل عدده ووقت وجوده وفنائه.. والخلاصة أن الله تعالى يعلم الغيب والشهادة، والظاهر والباطن، والرطب واليابس، والسر وأخفى وكل شيء في الكائنات، يعلم الكليات والجزئيات) انتهى.